بمكينة خياطة كانت الأولى في المنطقة، وحيزٍ صغيرٍ في محله بمنطقة الراس بدبي، بدء عبدالرحمن الشافعي المدني رحلة احتراف مهنة خياطة الملابس الرجالية في نهاية خمسينيات القرن الماضي. حينها، كان هو من يأخذ المقاس ويقص الأقمشة ويخيطها ويسلمها لزبائنه جاهزة، الذين كانوا جميعاً من سكان إمارة دبي وضواحيها.
وبعد أكثر من 70 سنة على بدء حياكته لأول "كندورة" في محله، يترأس عبدالرحمن المدني اليوم "مجموعة المدني"، التي تضم العديد من العلامات التجارية المحلية والعالمية، أبرزها هو الخياط الوطني، وخياط "بيت المدني" بأكثر من 10 أفرع في مختلف إمارات الدولة، وبقاعدة بياناتٍ تضم أغلب سكان دبي خاصة وبقية الإمارات عامة من الجيل القديم، الذين لا يزالون يتذاكرون حكاية أول دكان خياطة في دبي، وذلك بمنطقة الراس حين افتتحه الشاب المجتهد عبدالرحمن الشافعي المدني عام 1951
شهدت دبي نمواً متسارعاً خلال القرن الماضي مرتكزةً على تصاعد نمو اقتصادها الذي اعتمد على تنويع مصادر الدخل، ووصل دبي بمختلف طرق التجارة العالمية، لتتحول إلى مركز تجاري عالمي، مما انعكس على جميع القطاعات الحيوية فيها، والتي كان من ضمنها قطاع الأزياء الرجالية المحلية، حيث ونتيجة لتحسن الحياة المعيشية بشكل عام، زاد إقبال الناس على لبس الملابس الجديدة، مما حفز المدني على تطوير آليات عمله لاستيعاب الطفرة القادمة، إلا أن التحديات المادية كانت العائق دائماً امام مساعيه.
اتجه عبدالرحمن المدني إلى البحرين، وعمل فيها لمدة لم تتجاوز الـ3 أشهر، جمع خلالها مبلغاً من المال، ورصيداً من الخبرات ومعرفة السوق، عاد بها إلى دبي ليشغل بها مشغله الخاص، إلا أنه وبعد أن تأكد بأن دبي أصبحت تكبر وأن لابد أن يوسع من عمله ليواكب هذا التطور، سافر مجدداً إلى الدمام بالمملكة العربية السعودية، وترك مشغله يعمل لأول مرة حتى أثناء غيابه، وكان قد وفر في هذه المدة ثلاثة الف ريال فضي، وكان مبلغا كبيرا بمقاييس تلك الفترة، استثمره مجدداً في دبي، لتكون الانطلاقة القوية لأول مشغل خياطة في سوق الراس، مستفيداً من خبراته في سفراته ودراسته لاحتياجات السوق المحلية.
عاد عبدالرحمن المدني متحفزاً للتطوير من إمكانيات مشغله فأدخل لأول مرة في "الإمارات المتصالحة" حياكة "الطربال" وهو عبارة عن قطعة كبيرة من القماش تستخدم في تغطية البضائع على السفن وسيارات اللاندروفر بيد فورد التي كانت معروفة في تلك الفترة، لحمياتها من الأمطار وأشعة الشمس.
كذلك، ونظراً لكون مهنة الغوص لاستخراج اللؤلؤ لا تزال الأكثر رواجاً في دبي حينها، قام المدني بإطلاق منتج جديد هو الأول من نوعه في المنطقة، عبر حياكة ملابس صُممت خصيصاً للغواصين وتسمى ( الدراعة )، لتحميهم من لدغات قناديل البحر والأمراض التي قد يصاب بها البعض منهم بعد خروجهم من البحر عراة، تكونت من قطعتين، أحدهما لتغطية الذراع ويلبس من الرأس، والآخر سروال، أُطلق عليه اسم "الشمشير"، وهي كلمة تركية بكسر الشين وتعني ثوب، وكلما احتاج الغواصون لمثل هذا اللبس هيأ لهم المدني للموسم القادم.
وبعد خياطة الملابس والطربال ولباس الغوص، أدخل المدني إلى مشغله خط إنتاج رابع، وهو حياكة أشرعة السفن، المنتشرة على طول سوق بر ديرة حينها، بالتزامن مع تعاقده مع عدد من الشركات المنتجة للأقمشة ليكون الوكيل الحصري لها في المنطقة.
لم يكن من المستغرب توجه أغلب الرجال بدبي حينها إلى عبدالرحمن المدني لحياكته ملابسهم الخاصة، حيث وبعد تأسيسه لمشغله الخاص وتطويره، وإدخاله "ماكينة خياطة" لأول مرة في المنطقة، نال عبدالرحمن شهرة واسعة، مما مكنته من نيل ثقة حاكم دبي آنذاك، الشيخ سعيد بن مكتوم آل مكتوم رحمه الله، وباتت تصله ملابسه مفصلة ليحيكها هو باستخدام ماكينته الخاصة، والتي كانت حديث الناس آنذاك، حيث عُرف سابقاً أن النساء كانوا يحكن "كندورة" أزواجهن باليد لفترات قد تصل إلى الشهر، وعند وصول الماكينة تقلصت المدة إلى أقل من يوم، مما جعلها طفرة نوعية في هذا المجال.
استمر المدني في تطوير إمكانياته، وبدأ بافتتاح أفرع مختلفة للخياط الرائد في قطاع الأزياء الرجالية، ونظراً لاشتهاره بلقب العائلة، اطلق علامة تجارية أخرى متخصصة في المجال نفسه، باسم خياط "بيت المدني" لتكون كِلا العلامتين التجاريتين النواة الأولى لـ"مجموعة المدني"، التي تضم عدداً من العلامات التجارية العالمية مثل " Hang Ten"، و" Levi Strauss"، إضافة إلى شركات في قطاع العقارات والاستشارات وغيرها.